في رحاب آيات الصيام 183-187

بسم الله الرحمن الرحيم. 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على خير المرسلين.

آيات الصيام بها معاني جميلة، واسرار مبهرة.
فتعالوا نستخلص هذه المعاني، ونتعرف على هذه الاسرار، ونحاول ان نصل الي الرسائل التي، وضعها الله في آيات الصيام.

في رحاب آيات الصيام 183-187
في رحاب ايات الصيام

أول آيات الصيام

يقول الله تعالى في أول آيات الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. [البقرة: 183]

في بداية الآية نداء من الله على المؤمنين، وحينما تسمع كلام الخالق عليك ان تنتبه فهناك اما امر او نهي الامر هنا هو الصيام، ولكن ما معنى الصيام؟

معنى الصيام

الصيام في اللغة هو الإمساك أو الامتناع.
قد يكون امساك عن الطعام أو الشراب او الكلام.

أما الصيام في الشرع هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

الصيام والغاية منه

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
يخبرنا الله أن الجميع يتشارك في الصيام فقد كتب على المسلمين، والأمم التي كانت قبلهم حتى، وإن لم يكن بنفس الكيفية، ولكنه صيام او امساك.
وأفضل مثال علي ذلك صيام السيدة مريم عن الكلام قال تعالي: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}. [مريم: 26]

يبين الله تعالى الهدف من الصيام، والغرض من كل العبادات 
فيقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} التقوى هي الهدف من كل طاعة. والعبادات هي أفضل الطرق الي التقوى.
وقد سئل الإمام الصادق عن تفسير التقوى
فقال: التقوى ألا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك  

الآية الثانية من آيات الصيام

قال تعالي: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}. [البقرة: 184]
قال بعض المفسرون أن الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان.

وهناك راي اخر يقول ان الأيام المعدودات هي أيام للتطوع كانت قبل فرض الصيام.
ومما يعزز هذا الرأي ان الله تعالي قال بعدها {وعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.

ان الله تعالي خير القادر على الصيام في هذه الآية بين الصيام، او اطعام مسكين، حتى تتعود النفس على الصيام، فلا يكون هناك مشقة في قبول صيام شهر رمضان كاملا.

نجد ان الله فضل الصيام على الاطعام فقال: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} كما انه فضل ان يطعم المسلم أكثر من مسكين تقربا الي الله تعالي،

فقال: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}.

الآية الثالثة من آيات الصيام

قال تعالي: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [البقرة:185]

يبين الله في هذه الآية مكانة شهر رمضان وأهم هذه الأفضال هو نزول القرآن الكريم إلى بيت العزة في السماء الدنيا.

قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}. [القدر: 1]
بل إن كل الكتب السماوية نزلت أيضا في شهر رمضان.

اقرا ايضا
حق اليتيم في الاسلام الرحم

فرض صيام شهر رمضان

الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام جاء الامر به في السنة الثانية للهجرة {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

امر من الله لجميع المسلمين بصيام شهر رمضان.
ثم يأتي الاستثناء {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

المريض والمسافر عليه ان يفطر ويصوم في أيام اخري.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه، كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمُه.” صحيح الترغيب

أما كبار السن الذين لا يرجى شفاؤهم فعليهم الإطعام عن كل يوم مسكين ولا يصومون.

كل هذه الرخص من الله عز وجل لنا لأن الله تعالي {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. 

تكتمل أيام صيام شهر رمضان، ويأتي عيد الفطر فنكبر الله عز وجل، ونشكره على هدايتنا لهذه الطاعة، وهذا الفضل العميم.

الآية الرابعة من آيات الصيام

 قال تعالي: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. [البقرة: 186]

سأل الصحابة رضوان الله عليهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هل ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟

فجاءت الإجابة من الله بهذه الآية فالله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه. 

لكن لماذا جاءت آية الدعاء بين آيات الصيام؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصائم عند فطره دعوة لا ترد، وأيضا من الثلاثة التي لا ترد لهم دعوة الصائم.

اخر آيات الصيام

قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. [البقرة: 187]

بداية فرض الصيام 

فرض الله الصيام في بداية الأمر من أذان الفجر حتى أذان المغرب من اليوم القابل،

وكانت هذه مشقة كبيرة على الكثير من الصحابة خصوصا انه من غلبه النوم في اي وقت بعد اذان المغرب فعليه ان يواصل الصيام الي اليوم القابل.
ولكن الصحابة قالوا سمعنا وأطعنا. 

واعتقد ان المقصد من هذا الأمر شعور المسلمين بالتغيير من الحال الأول وهو عدم وجود الصيام إلى هذه المشقة في الصيام فإذا جاء التخفيف من الله علم المسلمون قيمة التخفيف وقدروا هذه النعمة من الله لذلك ارتبط هذا التخفيف ونزول هذه الآية بأسباب توضح لنا مدى المعاناة مع هذا الصيام

أسباب نزول الآية

كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ؛ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ، وإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَهَا: أعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قالَتْ: لا، ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ، وكانَ يَومَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ: خَيْبَةً لَكَ! فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عليه، فَذُكِرَ ذلكَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بهَا فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]. رواه البخاري

هكذا انعم الله علينا بهذا التخفيف فأصبح الصيام من الفجر إلى أذان المغرب وبعد المغرب يستطيع المسلم ان ينام، ويصحو، ويأكل، ويشرب، ويجامع حتى قبيل اذان الفجر فلله الفضل، والمنة، والشكر.

أدب الخطاب في الآية

نجد أن الله يعلمنا في هذه الآية أدب الخطاب، والحياء فيذكر في الآية لفظ الرفث، والمباشرة بدل الجماع فالله يعلمنا الأدب في الخطاب مع الأشياء التي قد تخدش الحياء. 

ثم يأتي معني آخر {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان: يعني هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن.
وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن

وأخيرا إذا نويت الاعتكاف لله في المسجد لا يشرع لك أن تجامع زوجتك في أيام الاعتكاف.

فعليك أن تتبع أوامر الله ولا تقترب من التعدي على حدوده، ومخالفة امره. 

الختام

نسأل الله ان يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.

اترك رد