سلسلة الدار الآخرة 1- حقيقة الدنيا عند الله

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله 

ما احوجنا في هذه الأيام الى الحديث عن الاخرة والأحداث العظام التي تسبقها لان الدنيا تملكت من قلوب الكثير من خلق الله فتناسوا بها الدار الاخرة لذلك كان لزاما علينا ان نتكلم عن هذه السلسلة من المقالات التي تتكلم عن الدار الآخرة وأول ما نتكلم عنه في هذه السلسلة هو حقيقة الدنيا وما فيها من زخرف خادع ونعيم زائل فان الدنيا وما فيها إلى فناء وزوال والدار الآخرة هي الحياة الحقيقية فتعالوا معي لنتعرف على حقيقة الدنيا

سلسلة الدار الآخرة 1- حقيقة الدنيا عند الله
سلسلة الدار الآخرة 1- حقيقة الدنيا عند الله

حديث القرآن عن وصف حقيقة الدنيا عند الله

إذا اردت ان تعرف وصف الدنيا وحقيقة الدنيا فعليك ان تسمع هذا الوصف وهذه الحقيقة من خالق هذه الدنيا ومنشأها ومن أصدق من الله حديثا.

لذلك قال الله تعالي: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الْحَدِيدِ: 20] 

كذلك قال الله تعالي: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45]

في هذه الآيات يقرب الله لنا وصف حقيقة الدنيا فلم يفرد لوصف هذه الدنيا سورة من سور القرآن إنما تكلم عنها في آيات قليلة وكلمات بسيطة حتى نعرف أن هذه الدنيا التي يتنافس فيها العباد بكل ما فيها من وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد لا تساوي عند الله ثم يسوق لنا مثال للتقريب إلى الأذهان لبين لنا حقيقة الدنيا بانها مثل هذا النبات الذي يخرج من الأرض ثم يكبر ويصفر ويكون حطام تحركه الرياح لهوانه وتفاهته

لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ” صحيح الترمذي

النبي صلى الله عليه وسلم قد علم حقيقة الدنيا

عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الدنيا لذلك كان من أشد الزاهدين في الدنيا

لذلك روي عن سيدنا عمر بن الخطاب انه قال: دخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على حصيرٍ قال: فجلستُ، فإذا عليه إزارُه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِه، وإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحوَ الصَّاعِ، وقَرظٍ في ناحيةٍ في الغرفةِ، وإذا إهابٌ مُعلَّقٌ، فابتدرت عيناي،

فقال: “ما يُبكيك يا بنَ الخطَّابِ؟” فقال: يا نبيَّ اللهِ وما لي لا أبكي! وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِك وهذه خِزانتُك لا أرَى فيها إلَّا ما أرَى، وذاك كسرَى وقيصرُ في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت نبيُّ اللهِ وصفوتُه وهذه خِزانتُك.

قال: “يا بنَ الخطَّابِ أما ترضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا” صحيح الترغيب والترهيب 

علم رسول الله حقيقة الدنيا فزهد فيها وفي نعيمها لذلك كان يقول أجوع يوما فاصبر وأذكرك وأشبع يوما فأشكرك وكانت السيدة عائشة تقول كان يمر علينا الهلال ثم الهلال والهلال أي: شهرين لا توقد في بيت رسول الله نار كنا نعيش على الأسودين التمر والماء

لذلك قالَ صلي الله عليه وسلم: “ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها”. صحيح الترمذي

 وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من الدنيا في كثير من المواضع 

نذكر منها قول رسول الله صلي الله عليه وسلم “مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ” صحيح البخاري ومسلم

 كذلك قال صلي الله عليه وسلم ايضا” من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمه، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ” صحيح الترمذي

حال الصحابة وقد علموا حقيقة الدنيا

الأحداث والقصص والمرويات كثيرة التي تتحدث عن زهد الصحابة في الدنيا لأنهم علموا حقيقة الدنيا عند الله ومقدارها البخس عند رسول الله صلي الله عليه وسلم سنذكر منها بعض المواقف القليلة لان المقال لن يسع ذكرها جميعا 

تعالوا نتعرف على تعامل اثنان من كبار الصحابة حينما أمرهم رسول الله بالصدقة كان الأول هو سيدنا أبو بكر الصديق الذي جاء بكل ماله ووضعه أمام النبي صلي الله عليه وسلم فقال له النبي ما تركت لأولادك يا أبا بكر قال تركت لهم الله ورسوله أما سيدنا عمر فقد جاء بنصف ماله وتصدق به لله ذلك لعلمهم الجازم بحقارة الدنيا وطلبهم إلى ما عند الله 

لذلك يروي عن سيدنا عمر بن الخطاب انه قال: أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا صحيح الترمذي 

وفي هذا الحديث الكثير من الدروس أوضح منها ان سيدنا ابو بكر لم يتصدق بكل ما يملك ولكن تصدق بكل المال الذي كان معه في هذا الوقت أما سيدنا عمر تصدق بالنصف وهو ليس بقليل ولا اتكلم هنا عن عدد المال ولكن اتكلم عن النسبة وهذا يدل على أنهم كانوا يعملون من اجل الدار الاخرة وطمعا فيما عند الله

افراء أيسا
3- قصص عن حب الصحابة للنبي محمد

مثال على حياة الصحابة والرسول الكريم ما رواه سيدنا أبو هريرة أنه قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما

فقال: “ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟” قالا: الجوع يا رسول الله،

قال: “وأنا، والذي نفسي بيده، ما أخرجني الذي أخرجكما، قوما” فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا.

فقال لها رسول الله ﷺ:” أين فلان؟” قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله ﷺ وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية،

فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: “إياك والحلوب” فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا

قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: “والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم”. رواه مسلم

الدنيا هي الطريق إلى الجنة في الدار الآخرة

مع أن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له لذلك يجب علينا ان نجمع للأخرة بالطاعة والعمل الصالح والنية الصادقة الخالصة لله تعالى لأن الجنة، ليس لها طريق إلا العمل في الدنيا وعمارتها 

لذلك قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77ٍ]

الختام

ينبغي على كل مسلم أن يعمر الأرض ويسعى فيها من اجل ان ينال رضا الله في الدنيا وفي الدار الآخرة والزهد في الشيء لا يكون الا بعد ان تملكه فان لم تملك في الدار الاخرة هي المطلب والملاذ لكل طالب